الألقاب.. تسميات يطلقها الناس تكريماً ومدحاً أو تجريحاً وذماً
«نحن نعيش زحمة ألقاب في العالم، لأننا نحتاج إليها كي تميزنا» كانت هذه إشارة عفوية أطلقتها سناء أحمدي، طالبة جامعية مسرفة في توزيع الألقاب، فـ«دلع على صديقتي نورة، وسوسة على أختي الكبرى، وبطة على صديقتي السمينة والحميمة فاطمة، ودودة كتب على رانيا ابنة خالتي لولعها بالقراءة، ولا شك أن إحدى معلماتي ألقبها بـ(الغضبانة) كونها تظل عابسة» وهذه الألقاب التي وزعتها سناء على المقربين من حولها منبعثة من روحها المرحة وتقول «هم أيضاً يلقبونني بـ«موزة» وكثيراً ما يطلقون علي اسم (سواك) لأني نحيفة جداً وطويلة». ويمكن مشاهدة هذه الألقاب الطريفة التي يلجأ إليها جيل الشباب وخصوصاً عبر منتديات الإنترنت فيختارون أسماءً مستعارة لهم مثل «ساكن الروح، ميتة، مركب الشوق، برشومي، صهيل، المتطرفة، باشا، فرعون، قيصر» وغيرها من الألقاب التي يختارها أصحابها «كمحاولة للتعبير عن جزء غير مرئي من شخصية صاحب ذلك اللقب» كما تقول خديجة محمد المتخصصة في علم النفس.
وتقابلها ألقاب لها حساسيتها الاجتماعية والطبقية فهناك ألقاب ملكية عرفت في أنحاء العالم أجمع، من أزمنة سحيقة كـ«الإمبراطور» الذي لا يزال إلى الآن يستخدم في قلة من الدول مثل الإمبراطورية اليابانية. وكذلك لقب «القيصر» الذي عرف عبر التاريخ الروماني وروسيا، أما لقب «الملك والملكة» فهو الأكثر الألقاب تداولاً في العالم في الوقت الحالي، في الدول صاحبة النظام الملكي العائلي.
وفي ظل الألقاب الملكية نشأت ألقاب فخرية عديدة عبر التاريخ مثل لقب: أمير وأميرة، أو (للا) التي يقصد بها الأميرة في المغرب، و«كونت» الذي شاع في فرنسا، ولقب «الباشا» الذي يستخدمه الأتراك والمصريون بكثرة، وإن كانت الكلمة تركية مأخوذة من «باش» أي الرأس، وهو لقب فخري يمنح لكبار الضباط والقادة وسادة الأقوام سابقاً، أما لقب «بهلوان» الذي غلب الآن على الأشخاص المؤدين لأدوار بهلوانية بغية التهريج والضحك فهو لقب من أصل فارسي كان ينسب للأبطال المتسمين بالشجاعة.
وكان للقب «بيك أو بك» الذي تحول في العامية المصرية إلى «بيه» نصيب الأسد في الاستخدام، فهو لفظة تركية ذات أصل فارسي تطلق على «الحكيم أو المقدس أو المفخم» وهي الآن شائعة بين أصحاب المراكز العلمية والمناصب العليا والأغنياء في مصر، بعد أن كانت لقباً خاصاً يطلق على الملوك والقادة والنبلاء وأبنائهم فقط.
ويأتي لقب «فرعون» المشهور في الحضارة المصرية كلقب مقدس يعطى للحكام «بحق إلهي»، أي بوصفه «آلهة» يختلف عن الشعب من حيث النسب والمنشأ والحقوق والواجبات، وقد تقبل المصريون القدماء هذه القضية كجزء من عقيدتهم الدينية، وكما ذكر في الموسوعة البريطانية أن هذا لقب يقصد به (البيت العظيم). أما المرأة فهي الملكة ولعل أشهرهن الملكة «نفرتيتي» زوجة الملك اخناتون التي عرفت بجمالها الساحر، وكذلك الملكة «حتشبسوت» التي حصلت على اللقب بحيلة أسطورية، فقد أعلنت نفسها وصية على عرش «تحتمس» الثالث، ومن ثم طالبت به لنفسها بعد أن ادّعت أنها ولدت من الرب آمون حينما تجسد في جسد والدها «تحتمس» الأول والتقى بأمها الملكة «أحمس»، وحكمت بعد هذه الأسطورة عشرين عاماً اختفت بعدها بشكل مفاجئ كولادتها الربانية التي ادعتها.
وفي ظل صراع الحصول على هذه الألقاب عبر التاريخ القديم وحتى الآن، ولو بحيل أسطورية، يلاحظ أن بعض أصحابها يتنازلون عنها بمحض إرادتهم في سبيل عاطفة الحب، ولعل الابنة الوحيدة لإمبراطور اليابان «أكيهيتو» وهي الأميرة ساباكو ،36 عاماً، قد تنازلت عن لقبها ومميزات العائلة الملكية التي تنتمي إليها بعد أن تزوجت من رجل ينتسب لعامة الشعب في نوفمبر الماضي وتسكن معه في شقة بطوكيو.
وإلى جانبها أيضاً الدوقة الإنجليزية كاميلا باركر زوجة ولي العهد الأمير تشارلز التي لم تهتم بلقب الملكة بعد أن يعتلي زوجها عرش الملك مفضلة لقب أميرة لتعيش بسلام عاطفي مع زوجها من دون سخط العائلة أو الشارع البريطاني عليها، وكانت قبلها الأميرة ديانا قد فضلت الطلاق على لقب ملكة، أما تولستوي الأديب والمفكر الروسي المولود عام 1828 ، والمنتمي إلى طبقة نبيلة حيث والده «كونت» ووالدته «الأميرة» فقد تنازل عن ذلك اللقب مسخراً ثروته لهموم شعبه من الفلاحين والفقراء الذين كانوا شغله الشاغل. وفيما يحتاج بعضهم الى تاريخ عائلي طبقي يورث ألقاباً فخرية يجد بعضهم أن الجمال يكون سبباً كفيلاً للحصول على اللقب الملكي نحو ملكة الجمال التي يتم اختيارها في أكثر دول العالم وبجوارها ملك جمال ينبغي إيجاده لها، ولأن الجمال ليس حكراً على من تجاوز العشرين فهناك مسابقة جمال المراهقات وأخرى للأطفال، وليس ذلك فحسب بل هناك ملكة وملك جمال الخيل كتلك المسابقة التي أقيمت في مصر أخيرا «مهرجان الزهراء الثاني عشر للخيول العربية الأصيلة» في نوفمبر الماضي، لاختيار ملك وملكة ووصيف ووصيفة من الخيول العربية، وليست الخيول وحدها من تتنافس على هذه الألقاب بل هناك مسابقة أخرى لأجمل جميلات الإبل كتلك التي تقام سنوياً في السعودية تحت مسابقة «مزايين الإبل» بصحراء أم رقيبة حيث تحتل الأضواء الناقة التي تمتاز ببياضها الأنيق. وتقابل الألقاب الفخرية للطبقة النبيلة ألقاب مصنفة للطبقة الاجتماعية المتواضعة، فلقب شائع الاستخدام في الشارع العربي وخاصة في مصر والسعودية كلقب «دادا» للمربية في منازل الأغنياء أو (الفراشة) في المدارس وروضة الأطفال هو لفظ تركي فارسي كان يطلق على الغلام أو الجارية، بينما لقب «رهوان» لفظة كردية تطلق على فرس لين الظهر في السير، أصبح يطلق على الشخص النشيط متقن العمل، وتظل كلمة «أوباش» التي يشيع استخدامها كلقب على الجماعات الهمجية غير الأخلاقية لفظة ذات أصل فارسي قصد منها جماعة من الناس غير متجانسة.
وهذه الألقاب التي تطلق بشكل عفوي بغية المزاح والمرح في بعض الأحيان، أو من صفة أخلاقية أو جسدية أو طبقية أو مهنية، عادة ما تلتصق بالشخص الملقب بها حتى تطغى على اسمه، ولعل كتب التاريخ والسير والمعاجم تزدحم بهذه الألقاب التي عرفناها لأشخاص دون أسمائهم مثل «أبي هريرة» راوي الحديث المشهور، و«الجاحظ» لجحوظ عينيه، أما الشاعر المتنبي شاغل الناس فقد لقب بذلك لأنه ادعى النبوة وإن كانت تهمة مغرضة كما يقال «نسبت له»، وهناك أبو جعفر المنصور الخليفة العباسي الذي لقب نفسه بالسفاح ليس ذماً وتخويفاً منه، وإنما مديحاً له.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
إذا أعجبتك المدونة من فضلك أكتب تعليق ....